منتدى العلوم السياسية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى العلوم السياسية منتدى لكل طلبة العلوم السياسية في الجزائر و الوطن العربي.


    الفكر السياسي لأبو حامد الغزالي

    avatar
    zawali


    عدد المساهمات : 1
    تاريخ التسجيل : 20/01/2010

    الفكر السياسي لأبو حامد الغزالي Empty الفكر السياسي لأبو حامد الغزالي

    مُساهمة  zawali الأربعاء يناير 20, 2010 9:05 pm

    االسلام عليكم...
    الخطة
    المقدمة
    الفصل الأول: ترجمة الإمام الغزالي و آثاره العلمية
    المبحث الأول: حياته و ظروف نشأته
    المبحث الثاني: مؤلفاته الفكرية
    الفصل الثاني: الفكر السياسي عند الإمام الغزالي.
    المبحث الأول: نشأة الدولة و معالم إقامتها.
    المبحث الثاني: عقد الخلافة و الإمامة في نظر الإمام الغزالي.


    الفصل الأول :
    المبحث الأول: حياته وظروف نشأته
    هو محمد بن محمد بن أحمد, أبو حامد الطوسي الغزالي, حجة الإسلام. ولد بطوس, من أعمال فارس, سنة خمسين و أربعمائة, و كان والده يغزل الصوف و يبيعه في دكان بطوس, و لما حضرته الوفاة وصى به و بأخيه أحمد إلى صديق له متصوف من أهل الخير و قال له: إن لي لتأسفا عظيما على تعلم الخط و أشتهي استدراك ما فاتني في ولدي هذين فعليهما, و لا عليك, أنم ينفد في ذلك جميع ما أخلفه لهما, فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فني ذلك النزر اليسير الذي خلفه لهما أبوهما, و تعذر على الصوفي القيام بقوتهما فقال لهما: اعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما و أنا رجل من أهل الفقر و التجريد, ليس لي مال فأواسيكما به, و أصلح ما أرى لكما أن تلجآ إلى مدرسة كأنكما من طلبة العلم, فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما, ففعلا ذلك و هو السبب في سعادتهما و علو درجتهما. و كان الغزالي يقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون لغير الله.و يحكى أن والد الغزالي كان فقيرا صلحا لا يأكل إلا من كسب يده في عمل غزل الصوف, ويطوف على المتفقهة و يجالسهم و يتوفر على خدمتهم و يجد في الإحسان إليهم و النفقة بما يمكنه عليهم, و أنه كان إذا سمع كلامهم بكى و تضرع و سأل الله أن يرزقه ولدا و يجعله فقيها و يحضر مجالس الوعظ, فّإذا طاب وقته بكى و سأل الله أن يرزقه ولدا واعظا, فاستجاب الله دعوتيه.
    قرأ أبو حامد الغزالي في صباه طرفا من الفقه ببلده طوس على يد أحمد بن محمد الراذكاني ثم سافر إلى جرجان فلقي بها أبا نصر الإسماعيلي و علق عليه التعليقة ثم رجع إلى طوس, و في أثناء عودته قطعت عليه الطريق و أخذ العيار ون جميع ما معه و مضوا, فتبعهم, فالتفت إليه مقدمهم و قال: ارجع ويحك و إلا هلكت فقال له: أسالك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط فما هي شيء تنتفعون به, فقال له و ما هي تعليقتك ؟ قال كتب في تلك المخلاة هاجرت لسماعها و كتابتها و معرفة علمها. فضحك و قال: كيف تدعي أنك عرفت علمها و قد أخذناها منك فتجردت من معرفتها و بقيت بلا علم, ثم أمر بعض أصحابه فسلم إليه المخلاة, فلما وصل طوس أقبل على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظ جميع ما علقه, و صار بحيث لو قطع عليه الطريق لم يتجرد من علمه.
    ثم إن الغزالي رحل إلى نيسابور ولازم إمام الحرمين , و اجتهد جهده حتى برع في علوم المذاهب و الخلاف و الاصول و الجدل و المنطق , و قرأ علوم الحكمة و الفلسفة و أحكم كل أمورها , و فهم كلام أرباب هذه العلوم و تصدى للرد عليهم و إبطال دعاويهم , و صنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها و أجاد وضعها و ترصيفها . و قد وصف إمام الحرمين تلامذته قال : الغزالي بحر مغرق , والكيا أسد مخرق , و الخوافي نار تحرق .
    و لما مات إمام الحرمين خرج الغزالي إلى العسكر قاصدا الوزير نظام الملك , و ناظر الأئمة و العلماء في مجلسه و قهر الخصوم , و ظهر كلامه على الجميع , فاعترفوا بفضله , و تلقاه الصاحب بالتعظيم و التبجيل , و ولاه تدريس مدرسته ببغداد و أمره بالتوجه إليها , فقدم بغداد في سنة أربع و ثمانين و أربعمائة و درس بالنظامية , و أقام على التدريس و إسماع العلم مدة , و كان في أثناء إقامته زائد الحشمة عظيم الجاه مشهور الإسم , تضرب به الأمثال و تشد إليه الرحال , إلى أن شرفت نفسه عن متاع الدنيا , فرفض ما فيها من الجاه و ترك ذلك و قصد بيت الله الحرام , فحج و توجه بعد أداء الفريضة إلى الشام و في ذي القعدة , سنة ستة و ثمانين و أربعمائة بعد أن استناب أخاه التدريس , و جاور بيت المقدس , ثم عاد إلى دمشق و اعتكف في زاويته بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية . ثم إنه لبس خشن الثياب , قلل طعامه و شرابه , أخذ في التصنيف للاحياء , و صار يصوف المشاهد و يزور الترب و المساجد , و يأوي القفار , و يروض نفسه و يجاهدها جهاد الأبرار , و يكلفها مشاق العبادات , و يبلوها بأنواع القرب و الطاعات .
    ثم يمم الغزالي شطر مصر و نزل الإسكندرية حيث لقي الفقيه أبا بكر الطرطوشي صاحب كتاب "سراج الملوك" و كان الطرطوشي يدرس في هذه المدينة إلى حيث وفاته .
    و قد ذكر ابن خلكان أن أبا حامد الغزالي عزم على الرحيل إلى المغرب الأقصى لزيارة أمير المسلمين يوسف يوسف ابن تاشفين المرابطي بعد انتصاره في منطقة الزلاقة على نصارى الأندلس , حتى إنه لما طلب إلى الخليفة العباسي إقراره على ملك المغرب و الإعتراف له بلقب أمير المسلمين , جمع الخليفة مجلسا ضم العلماء برئاسة حجة الإسلام أبي حامد الغزالي الذي أفتى باستحقاق يوسف بن تاشفين لهذا اللقب .
    ثم عاد إلى بغداد و عقد بها مجالس الوعظ , متكلما على لسان أهل الحقيقة , و حدث بها بكتابه "الإحياء " قال الإمام محمد بن يحيى : الغزالي هو الشافعي الثاني . و قال أسعد الميهني : لا يصل إلى معرفة علم الغزالي و فضله إلا من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله . و قال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد المنعم العبدري : رأيت بالإسكندرية فيها يرى النائم كأن الشمس طلعت من مغربها , فعبر ذلك بعض المعبرين ببدعة تحدث فيهم , فوصلت بعد أيام و علمت بإحراق كتب الغزالي بألمرية .
    و قد عزم أبو حامد الغزالي على ركوب البحر إلى المغرب , و لكنه عدل عن ذلك بعد أن بلغه نبأ وفاة يوسف بن تاشفين سنة 500هـ , فعاد إلى طوس و انصرف إلى الإشتغال بالعلم. ثم طلب إليه الوزير فخر الملك ابن نظام الملك التدريس بالمدرسة النظامية بنيسابور , فلبا أبو حامد الغزالي طلبه بعد تردد , و عاد الغزالي إلى خرسان و درس بالمدرسة النظامية بنيسابور مدة قصيرة ثم رجع إلى طوس و اتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء , و خانقاه للصوفية , و وزع أوقافه على وظائف من ختم القرآن و مجالسة أرباب القلوب و التدريس لطلبة العلم , و إدامة الصلاة و الصيام و سائر العبادات , إلى أن انتقل انتقل إلى رحمة الله . و كانت وفاته بطوس يوم الإثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمسا و خمسمائة , و دفن بمقبرة الطابران بطوس .
    المبحث الثاني : مؤلفاته الفكرية
    ترك الغزالي آثارا علمية خالدة , و قد ذكر أنه صنف نحوا من مئتين و ثمانية و عشرين مصنفا , كان جلها في الدين و الفلسفة و التصوف و التاريخ و من أهم هذه المصنفات :
    - إحياء علوم الدين .وضعه ليلفت نظر المسلمين إلى أصول دينهم القويم , مشيرا ّإلى ما حل بالإسلام من انصراف أهله إلى شؤون الدنيا ة إهمالهم شعائر دينهم , و ما نص عليه القرآن الكريم من مثل عليا و آداب و أخلاق كريمة , و ما انطوى عليه الحديث الشريف من قواعد دينية قويمة و حكم رفيعة .
    و قد قسم الغزالي كتابه إلى أربة أقسام سماها ربع العبادات و ربع العادات و ربع المهلكات , و ربع المنجيات , و قد صدرها بكتاب العلم الذي هو غاية المهم .
    - كتاب المنقذ من الضلال . يعرض لمسائل علمية من المسائل المتعلقة بالفلسفة , إذ يتناول موضوعات الشك , انتقاد الفرق , النبوة و الإصلاح الديني , مدخل السفسطة و جحد العلوم , علم الكلام و مقصوده و حاصله , الفلسفة و أصنافها ووصمة الكفر, الدهريون , الإهليون , أقسام علوم الفلسفة , الإهليات , السياسات , الخلقيات , آفتا الفلسفة (آفة الرد و آفة القبول) , مذهب التعليم و غائلته , طريق الصوفية , حقيقة النبوة و اضطرار جميع الخلق إليها , سبب نشر العلم بعد الإعراض عنه .
    - كتاب آداب الصوفية (طبع في فيينا مع ترجمة ألمانية سنة 1838م )
    - كتاب أيها الولد . وضعه لبعض تلامذته , و فيه نصائح ووصايا في الزهد
    - كتاب تهذيب النفوس بالآداب الشرعية
    - كتاب جواهر القرآن و درره .
    - كتاب خلاصة التصانيف (ألفه بالفارسية )
    - كتاب الرسائل القدسية في قواعد العقائد .
    - كتاب فضائح الباطنية و فضائل المستظهرية (و يسمى المستظهري)
    - كتاب أسرار الحج , في الفقه الشافعي .
    - كتاب تهافت الفلاسفة .
    - كتاب معيار العلم في المنطق
    - الآداب في الدين , (على هامش تهذيب الأخلاق لمسكويه )
    - كتاب الأربعين في أصول الدين
    - كتاب إلجام العوام في علم الكلام
    - الإملاء على إشكالات الإحياء , (الأجوبة المسكتة عن الأسئلة المبهتة )
    على هامش الإحياء
    - بداية النهاية (مع منهاج العابدين )
    - الحكمة في مخلوقات الله (ضمن العقود )
    - الدرة الفاخرة في علوم الآخرة
    - رسالة الطير .
    - الرسالة الوعظية .
    - سر العالمين و كشف ما في الدارين .
    - فاتحة العلوم .
    - فيصل التفرقة بين الإسلام و الزندقة .
    - القسطاس المستقيم .
    - قواعد العقائد
    - الكشف و التبيين عن غرور الخلق أجمعين (مع منهاج العابدين )
    - كمياء السعادة .
    - المستصفى ( في علم الأصول ).
    - مشكاة الأنوار.
    - المضنون به على أهله , على هامش الإنسان الكامل للجيلي(المضمون الصغير )
    - المضمون به على غير أهله (المضمون الكبير)
    - معارج القدس في مدارج النفس
    - المعارف العقلية .
    - معراج السالكين .
    - مقاصد الفلسفة .
    - مرآة الزمان .
    - المقصد الأسني في شرح أسماء الله الحسنى
    - تاريخ الإسلام .
    - المنفذ من الضلال .منهاج العابدين.
    - ميزان العمل.
    - الكامل في التاريخ.
    - وفيات الأعيان و أبناء أبناء الزمان.
    و قد أحدثت تصانيف أبي حامد الغزالي في الفلسفة و المنطق و الطبيعة و ما ورائها أثرا عظيما بعيدا في المشرق و المغرب , و قد قام بترجمة الكثير منها نصارى طليطلة في القرن السادس هجري.




    الفصل الثاني :

    المبحث الأول : نشأة الدولة و دعائم إقامتها
    حاول الغزالي بصفته فيلسوف سياسي و اجتماعي أن يحدد يجب أن تكون عليه المدينة أو الدولة حتى تصبح مثالية تختلف كل الاختلاف عن تصورات أفلاطون و الفاربي , فقد تكلم عن أهمية الصناعة و أصولها و آلاتها و هي أشغال يدوية (حرف و صناعة و أعمال ), فترى الخلف منكين عليها و سب كثرة الأشغال هو أن الإنسان مضطر على ثلاث القوت , الملبس و المسكن . أمل أصول الصناعة و أوائل الأشغال اليدوية فهي خمس : الفلاحة , الرعي , الإقتناص , الحياكة و البناء , و يستعمل الإنسان في ذلك أدوات ة آلات منها التجرة و الحدادة و الخرز ( العامل في جلود الحيوانات )
    يرى من جهة أخرى أن حاجة الإنسان إلى الإجتماع و انشاء البلاد يعود لسبين هما : الحاجة للنسل لبقاء جنس الإنسان , و التعاون على تهيئة أسباب العيش لأن الفرد لا يستطيع أن يسد حاجاته المتعددة لوحده , و تأتي هذه الحاجة إلى السياسة و الحرف , و يبدأ بالرياسة في الأسرة حيث يرأس ولاية الزوج على الزوجة و ولاية الأبوين على الأبناء , و هذا المقياس يصلح على البلاد , بحيث متى كان الاجتماع كان التعاون و الخصام و النزاع و بالتالي وجدت الرياسة و الولاية , لأنه لو ترك الأمر هكذا لهلك القوم , ثم الحاجة للخراج لتسديد النفقات و دفع رواتب الجند و غيرها . و بعدها الحاجة إلى الملك و أعوانه لتدبير شؤون الرعية و أمير مطاع يعين لكل عمل شخصي و يختار كل واحد ما يليق به و يراعي النصفة في أخذ الخراج و إعطائه و استعمال الجند و غيرها.
    المرحلة الموالية هي نشأة الأسواق و استخدام النقود لتبادل المنافع و الأغراض و الحاجات و ظهور حرفتي اللصوصية و التسول . ثم يقسم الغزالي الناس في الدولة إلى طوائف يتبعون مذاهب مختلفة فالطائفة الأولى طائفة غلب عليها الجهل و الغفلة و الثانية ترى أنه ليس المقصود أن يشقى الناس بالعمل و لا ينعم في الدنيا بل السعادة أن يقضي الإنسان وطرا من شهوة الدنيا . و الثالثة ترى أن السعادة في كثرة المال . و الرابعة ترى السعادة في حسن اللإسم و الثناء و المدح بالتجمل و المروءة . أما الخامسة فترى السعادة في الجاه و الكرامة بين الناس و انقياد الخلق بالتواضع و التوفير . هذه الطوائف الخمس انشغلت بالدنيا و المقابل توجد على النقيض طوائف أخرى حيث أعرضوا عن الدنيا و هي : الطائفة الأولى : التي ضنت أن الدنيا دار بلاء و محنة و الآخرة دار سعادة , فرأو أنه من الصواب الخلاص من محنة الدنيا و الذهاب إلى الدار الآخرة بغير موعد فقتلوا أنفسهم . و الطائفة الثانية : ترى أن السعادة في قطع الشهوة و الغضب و قتل النفس . و الطائفة الثالثة : ترى في أن المقصود من العبادات هو المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة الله , فإذا حصلت المعرفة فقد وصل , و بعد الوصول يستغني عن الوسيلة و الحيلة .
    و مما سبق نرى أن الغزالي انطلق من الواقع و من الظواهر التي كانت موجودة أو وجدت في القديم و فسرها و شرحها. و من خلال التقسيم السابق يلاحظ أنه قسم البشر على طوائف ضالة و متطرفة و كانت إما إفراط أو تفريط و هي طوائف لا تقوم على أساس ديني بل خارجة عن مبادئ و قيم السريعة الإسلامية السمحاء و لكن ألا يحق لنا أن نتسائل عن الطائفة البشرية التي تتماشى و الشريعة الإسلامية و تحقق جوهر الإسلام دينا و دنيا ؟
    يجي الغزالي بأن الطائفة السالكة لما كان عليه الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أصحابه هي الفرقة أو الطائفة الناجية . و هو أن لا يترك الدنيا بالكلية و لا يهتم بالشهوات الكلية , فنأخذ من الدنيا قدر الزاد و نقمع من الشهوات ما يخرج عن طاعة الشرع و العقل و لا يتبع كل شهوة , بل يجب أن يكون الأمر بين ذلك قوام و ذلك هو العدل و الوسط بين الطرفين و هو أحب الأمور إلى الله تعالى (خير الأمور أوسطها ).

    المبحث الثاني عقد الخلافة و الإمامة في نظر الإمام الغزالي
    لقد حظيت السياسة اهتمام ملحوظ من جانبه فكتب في الإمامة على مذهب الأشعرية و هو مذه ورد على الشيعة , و هاجم الباطنية و سوغ طاعة خلفاء العباسيين و الأمراء الذين عاصروه عندما طالب بطاعة للمتغلب مراعاة للواقع الذي ساد البلاد الإسلامية مفضلا ذلك على الثورة .
    لقد بلغت السياسة ذروتها و أصبحت من الأهمية بمكان عند الشافعية , فقد اعتبرها أبو حامد الغزالي من الأصول التي لا بد منها لقيام الحياة .بل إنه يجعلها من الأهمية كالطعام و الشراب . فهي عنده أشرف الصناعات و هي أشرف المقامات بعد النبوة كما أنه لا بمكن الإستغناء عنها ,لا لأنها واجبة في ذاتها كعلم نظري و عملي و تطبيقي , بل كانت الحاجة إليها لتنظيم العلاقات بين الناس و فض الخصومات بينهم بالعدل و كبح جماح شهواتهم و غرائزهم البهيمية التي جبلوا عليها سواءا كان ذلك بالترغيب أو الترهيب .
    و فقد عالج الغزالي الكثير من المسائل السياسية في العديد من مؤلفاته , نذكر منها (التبر المسبوك في نصيحة الملوك ) حيث ألفه للسلطان محمد بن ملك شاه السلوجقي باللغة الفارسية . ثم قام ترجمته إلى العربية أحد تلامذته , و بدأ الغزالي مقدمته للكتاب بقوله : اعلم يا سلطان العالم ملك الشرق و الغرب أن لله عليك نعما ظاهرة , و آلاء متكاثرة , يجب عليك شكرها , ويتعين عليك إذاعتها و نشرها , و من لم يشكر نعم الله جل ثناؤه , و تقدست أسماؤه , فقد عرض تلك النعم للزوال و حجل من تقصيره يوم القيامة , و كل نعمة تفنى بالموت فليس لها عند العاقل قدر و لا عند اللبيب خاطر , لأن العمر و إن تطاولت مدده لا ينفع طوله إذا انقضى عدده ...) و هكذا بدأ الغزالي توضيح المسلمات التي يجب ترسيخها في ذهن المتلقي , مثل تعريف الإيمان و تذكير السلطان بأنه مخلوق و أن الله جل ثناءه خالقه , ثم يتناول بعد ذلك أصول العدل و الإنصاف و الشورى و إصلاح أحوال الرعية و التعمير , و عدم مخالفة الشرع و طريق العدل , ثم يتناول الوزراء و سياستهم .
    و للغزالي كتاب آخر عنوان (سر العالمين و كشف ما في الدارين ) ينتقد فيه الواقع السياسي القائم في عهده و كشفه لتلامذته, ثم سياسة الملك و ترتيب الخلافة و ترتيب العساكر و ترتيب المهن , ثم يتناول تهذيب نفس الحاكم و تهذيب نفوس الرعية و التقوى و العبادة .
    و للإمام الغزالي كتاب سياسي هام أيضا هو (فضائح الباطنية و فضائل المستظهرية ) قدمه للخليفة المستظهر بالله ـ و ترجع أهمية هذا الكتاب في أنه يلقي الضوء على إحدى الفرق الهدامة التي أثارت الفتن و القلاقل في العالم الإسلامي , الأمر الذي أدى إلى ضعف السلطة المركزية للخلافة الإسلامية , و كان من أحد الأساب الرئيسية في تقويضها في فترات كثيرة على طول التاريخ السياسي الإسلامي .
    و لا ننسى أن هذه الفرقة و غيرها من الفرق الهدامة كانت تصنع لنفسها مناهج فكرية متشحة برداء الفلسفة متخفية ورائها من جهة متشحة برداء الإسلام و متخفية وراءه من جهة أخرى .
    و كما نعلم فإن أكثر من مثلوا هذه الفرق كانوا أصلا من أهل الدول و الحضارات التي قضى عليها الإسلام . لذل كان حلم هؤلاء المتشحين بالسواد هو العودة إلى أمجادهم الزائفة , فما كان منهم إلا أن عمدوا إلى الحيلولة و الدهاء السياسي للقضاء على الإسلام . لأن الأمر لم يكن ميسورا لهم بعد أن اصحت للإسلام قوة و شوكة تستطيع أن تستأصل شأفتهم و تطفئ ثائرة فتنهم في مهدها , هذا و قد اندثرت معظم هذه الفرق نتيجة مواجة السلطة المركزية لها , و لم يبقى منها إلا بعض الفرق التي طورت نفسها و استفادت من مناهج و أخطاء الفرق السابقة , و من هذه الفرق الباطنية التي ظهرت تحت أسماء كثيرة منها : الإسماعلية , القرامطة , لإخوان الصفا , الحشاشون , الصليحيون , الفاطميون , الدروز , و النصيرية ...و غيرهم . و قد استغل هؤلاء الباطنيون التشيع كستار لتحقيق أهدافهم من خلاله , فكانت الدعامة الفكرية الأولى التي قام عليها فكرهم السياسي هي فكرة الإمامة .و هي فكرة شيعية الأصل طرأت عليها بعض التعديلات و التطورات فما كان من الإمام الغزالي إلا أن تصدى لفكرهم هذا في كتابه المشار إليه بعاليه , فاضحا إياه بنقده و توضيح أبعاده ووظائفه مؤكدا على ثوابت الإسلام و أصوله الصحيحة .
    كما تعرض للإمامة في مؤلفه الشهير (إحياء علوم الدين )حيث تضمن الكتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و يقض بأن تغير المنكر و مقاومة الحاكم الجائر بالمنع أو القهر , لا يجوز لكون ذلك يحرك الفتنة سواءا كان ذلك بواسطة آحاد الناس أو جماعاتهم . يتبين مما سق أن الغزالي منع مقاومة الحكام مخالفا بذلك جمهور أهل السنة و الجماعة الذين أجازوا مقاومة الحاكم الجائر , و ربما يعود ذلك إلى تولي الغزالي منصب التدريس في المدرسة النظامية في بغداد و صلته بالسلطة الجلسوقية , فأراد بذلك تحاشي غضب الحاكم , و قد أعطى بعض التفاسير لهذا المنع و هو خوفه من الفتنة و الحرب الأهلية و تهييج الشر و من أن يون المتولد أو الناتج منه من المحذور أكثر ( رب عذر أقبح من ذنب )
    و من جهة أخرى يرى أن الإمام لا يجوز خلعه ما لم يتورط في الفتنة أو الحرب الأهلية , و هكذا فالإمامة في رأيه ضرورية للمجتمع و الدين كما سبق و أن ذكرنا و ينفي بالتالي حق الثورة إذا كانت هذه الثورة تؤدي إلى إثارة الفتنة , و لما كان من المستعد جدا أن تقوم ثورة دون قتال و صراع داخل , فماذا يبرر الإلتزام السياسي عندئذ ؟
    في ظل الظلم و الإستبداد يكون الإلزام السياسي أحد الإحتمالين أو كلاهما :
    -1- أن الحاكم هو ظل الله في الأرض
    - 2- أن ظلمه على سوئه يبقى أقل شرا من انهيار المجتمع
    و ما دام الغزالي يمنع مقاومة الحاكم و غزله , فما هي صفات و اختصاصات هذا الحاكم ؟ و ما هي شروط تولي هذا المنصب ؟
    تكلم الغزالي عن الإمامة و نظرياتها بالتفصيل في كتابه (الإقتصاد في الإعتقاد ) , و السير السير المسبوك في نصيحة الملوك و فضائح الباطنية أو المستظهري , و بالرغم من أن الغزالي كان كارها للخوض في هذه المسألة نظرا لحساسيتها إلى أنه أعطاها حقها في الدراسة و الشرح , و قد نظر إليها في ثلاث أطراف و هي :
    1ـــ الطرف الأول : في بيان وجو نصب الإمام
    2ـــ الطرف الثاني : في بيان من يتعين من سائر الخلق لأن ينصب إماما
    3ـــ الطرف الثالث : في شرح عقيدة أهل السنة في الصحابة و الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
    ـــ وجوب نص الإمام : هو واجب شرعا و ليس مأخوذا من العقل , و يشرح الغزالي كيف كان الصحابة يتسارعون لنصب الإمام بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه و سلم ــ , و يقول أنه إذا بطلت الإمامة بطلت و انحلت ولاية القضاة ... و يقول في موضع آخر أن الله سبحانه و تعالى اختار من بني آدم طائفتين و هما : الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ليبينوا للعباد الدليل و السبيل و اختيار الملوك لحفظ العباد من اعتداء بعضهم على بعض .
    و هنا يعطي يعطي الملك و السلطان حقا مقدسا و يجعله ظل الله في أرضه يجب طاعته و الامتثال لأوامره و هي تمثل حكومة إلهية تيوقراطية .
    أما من حيث صفات الإمام , فهي صفات إيجابية أو سلبية , بدنية أو نفسية , فطرية أو مكتسبة تقوم في شخصه أو تحدد علاقته بالآخرين , دنيوية أو دينية تحدد علاقته بالله أو بالرعية , و هذه الشروط و الصفات هي :
    ـــ البلوغ ـــ العقل ـــ الحرية ـــ الذكورة ـــ النسب القرشي ـــ سلامة الحواس ـــ و هي كلها صفات غريزية فطرية , أما الصفات المكتسبة فهي أربعة :
    ـــ النجدة : المقصود بها ظهور الشوكة ووقور العد و الاستظهار الجنود ( الإمام يباشر الحرب بنفسه ).
    ـــ الكفاية : الفكر و التدبير ثم الاستقصاء و استطلاع الرأي و المشاورة و الهداية.
    ـــ الورع : و هي صفة ذاتية خاصة بشخصية الإمام و هي العلم و استطلاع رأي العلماء و هو الأساس و الأصل عليه يدور الأمر كله .
    ـــ العلم : فعكس جمهور العلماء الذي يرى أن الإمام يجب أن يكون على مرتبة عالية من العلم و الاجتهاد و الفتوى في علوم الشرع , فالغزالي يرى أنه ليس من الشروط الضرورية للإمامة ل يكفي أن يتصف بالأخلاق و يراجع أهل العلم و يحكم بمااتفق عليه العلماء ..
    ـــ عقيدة أهل السن انتقاداته للفلاسفة تثبت كان خصم الفلاسفة هذا محبوا بالروح الفلسفي "
    ألفريد غيوم :" لقد جعل الغزالي للإسلام مكانة تمكن مقايستها إلى حد ما بالمكانة التي جعلها للمسيحية توماس الإكويني "
    الخاتمة:
    يقول الغزالي:" سعادة كل شيء لذته و راحته, و لذة كل شيء تكون بمقتضى طبعه, و طبع كل شيء ما خلق له, فلذة العين في الصور الحسنة و لذة الأذن في الأصوات الطيبة و لذة القلب الخاصة لمعرفة الله لأنه مخلوق لها...و لا لذة أعظم من معرفته...و كل لذات و شهوات الدنيا متعلقة النفس, و هي تبطل بالموت, و لذة معرفة الله متعلقة بالقلب, فلا تبطل بالموت لأن القلب لا يهلك بالموت, بل تكون لذته أكثر و ضوءه أكبر لأنه خرج من الظلمة إلى النور
    و من التحليل السابق نستطيع الحكم على الإمام الغزالي, إمام عصره ووحيد زمانه في علوم الدين الإسلامي الحنيف, و لا سيما في علم الأصول و علم الكلام, كما عرف بحجة الإسلام
    وكان مصلحا دينيا و اجتماعيا ثائر على المجتمع منددا به بعدما آل إليه حال المسلمين في عصره, فعمل على إيقاظ الهمة و الفضيلة بين المسلمين و دعا إلى إصلاح المجتمع الإسلامي إصلاحا شاملا

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 5:52 pm